عشق دمشق تغنى بها الشعراء على مر القرون ،،نظموا القصائد بسحرها وجمالها ،، تغنوا بقاسيون…
في أيلول\سبتمبر 635م فتح خالد بن الوليد دمشق سلمًا بعد ستة أشهر من الحصار، ومنح في إثرها الأمان لسكانها حسب صكّ التسليم المبرم بينه وبين أسقفها سرجون بن منصور؛ وهو الصك الذي استسلمت بموجبه سائر المدن السورية. ودخلها من باب شرقي على حسب الروايات.
وفي العام التالي (13هـ/636م) وقعت معركة اليرموك الحاسمة في تاريخ فتوح الشام. بعد الفتح استقرّ الولاة في دمشق، وبذلك انتقلت عاصمة البلاد من أنطاكية إليها؛ وبعد أربع سنوات من الفتح عيّن معاوية بن أبي سفيان واليًا على دمشق، خلفًا لأخيه يزيد بن أبي سفيان.
وخلال فتنة مقتل عثمان أعلن معاوية التمرد على الخليفة علي بن أبي طالب، واستقلّ بحكم الشام، وبسط نفوذه في مصر عبر عامله عمرو بن العاص، وبعد خمس سنوات من القتال، انتهت الحرب في عام الجماعة (40هـ) بإعلان الدولة الأموية وعاصمتها دمشق؛ وبذلك يكون معاوية قد حكم دمشق أربعين عامًا عشرون منها كوالي، وعشرون أخرى كخليفة.
وخلال “الفتنة الثانية” والتي كان قائدها في دمشق يزيد بن معاوية، نقل إلى دمشق رأس الإمام الحسين وعدد من نساء أهل البيت منهم السيدة زينب؛ كما استقر في دمشق عدد من زوجات النبي، والصحابة، ودفنوا فيها. خلال الصراع بين فروع الأسرة الأموية على الحكم وقعت معركة مرج راهط قرب دمشق بين أتباع الأمويين وأتباع عبد الله بن الزبير.
والتي ثبتت البيت المرواني وزعيمه مروان بن الحكم في السلطة؛ وفي أعقاب حكمه لا سيّما أيام ابنه عبد الملك، وحفيديه الوليد وهشام، عاشت دمشق أزهى أيامها، فمع توسع الدولة وتدفق أموال الجباية على عاصمتها تكاثرت في دمشق القصور والحمامات وغيرها من المباني والمحال العامة.
ويروي المؤرخون أن الناس إذا التقوا بعضهم في أيّام الوليد وهشام، كان حديثهم عن العمارة، وفنون البناء، ومجمل ما يمكن استنتاجه من خلال مصادر المؤرّخين، أن مدينة دمشق في العهد الأموي كانت تحفل بحلّة جميلة بعد أن نعمت بالمركز الممتاز، والخير العميم، والازدهار الاقتصادي.
ويحدّث المؤرخون عن أحواض المياه والنواعير والسّقايات التي كانت منبّثة على أطراف الشوارع، وعلى أبواب المباني العامّة، وفي الأسواق والسّاحات، وعند أبواب المدينة، ولقد عدّد ابن عساكر عشرين منها كانت باقية إلى عهده يرجع أكثرها إلى عصر بني أميّة.
ولعلّ “دار الإمارة” التي شيدها معاوية لتكون مقرًا له والتي سميت أيضًا “الدار الخضراء” نظرًا لقبتها الخضراء، إحدى أول وأبرز المشاهد العمرانية الأمويّة في المدينة، كما شيّد الأمويون مستشفيان كبيران داخل المدينة ودارًا للخيول.
وبنى الوليد الجامع الأموي وأسرف في تزينه بالفسيفساء، وكذلك الحال في حلب، وكان الجامع الأموي مسجد دمشق الوحيد داخل الأسوار إلى جانب مصليين صغيرين خارجها، ولم يبن الأمويون سواهم. ونتيجة هذا الازدهار استقر حولها على ضفاف نهر بردى عدد من القبائل.
وشقّ “نهر يزيد” من نهر بردى لتأمين الريّ لمساحة أكبر من الأراضي؛ كما اهتمّ الوليد أيضًا بالطرقات وربط المدن بعضها ببعض لا سيّما بين دمشق والبادية، حيث شيّد الأمويون ما يزيد عن عشرين قصرًا للتنزه وممارسة الرياضات المختلفة.
وشهدت المدينة بالتزامن مع ذلك نهضة ثقافيّة. وبعد وفاة هشام أصيبت الدولة بالتصدع، وتعاقب عليها ضعاف الخلفاء، واندلعت فيها فتن دامية بين العرب من القيسية واليمنية، وخلع البيت الأموي نفسه خليفتين، ونقل مروان بن محمد آخر الأمويين، عاصمته إلى حران، ولم يتوقف تداعي صرح الدولة في عهده، وبختام العصر الأمويّ زال عهد دمشق الذهبي.