عشق دمشق تغنى بها الشعراء على مر القرون ،،نظموا القصائد بسحرها وجمالها ،، تغنوا بقاسيون…
أوليت دمشق أهمية خاصة خلال زمن الدولة العثمانية ولقبت “بالشام الشريف”؛ وبعد معركة مرج دابق، دخل السلطان سليم الأول دمشق يوم 26 سبتمبر 1516، وكان أول أعماله ترميم الجامع الأموي؛.
وقضى السلطان سليم في دمشق فترتين الأولى عام 1516، والثانية بعد عودته من مصر عام 1517، حيث أنفق معظمها في تنظيم الشؤون الإدارية للولاية، وفي عام 1524 ثارت دمشق بقيادة واليها جان بردي الغزالي.
وانضمت إليها مدن أخرى كحمص وحماه، فسار فرحات باشا والي حلب بأمر من سليمان القانوني إليها، فقضى على التمرد قبل امتداده.
بين العصرين المملوكي والعثماني استمرت الكتابة في مصنفات تربية الأطفال وتأديبهم، ونذكر من مصنفات تلك الحقبة ابن حجر الهيتمي (974-909هـ/1566 – 1503 م) الذي وضع وهو في مكة مصنفه الشهير”تحرير المقال في آداب وأحكام وفوائد يحتاج إليها مؤدبو الأطفال.
ويبين الهيتمي في مؤلفه هذا ما يحتاج إليه مؤدبو الأطفال من المعارف المتصلة بالتربية، ويعرض لأهم المبادئ التربوية التي توجه عمل المؤدبين في دور العلم.
ووقف المؤرخون الدمشقيون اللاحقون ( م1546) أمام انتشار ظاهرة فساد الأخلاق في فترة القرن الذي سبقهم، والتي كانت محل استهجان ورفض ونقد لموقف السلطة السياسية منها، وبخاصة فيما يتصل بارتكاب الفواحش والجهر بها من شرب الخمر. وممارسة اللواط، وانتشار بنات الهوى في الأسواق.
ويكشف ابن طولون الصالحي (ت:953هـ/1546م) بأن لبنات الهوى بيوتاً خاصة بهن؛ إذ يذكر في أحداث شهر جمادى الأولى سنة 885هـ/ تموز 1480م أنه تم تخريب “..بيوت بنات الخطأ بين جامع التوبة وجامع الجديد بعد أن اشتريت القيسارية من ابن الصقر التاجر بمبلغ ثلاثين أشرفية، ثم انتقلت بنات الخطأ إلى جوار المدرسة اليونسية بالشرف الأعلى ”
غير أن اهتمام العثمانيين بالمدينة لم ينقص، فشيّدوا التكية السليمانية، ورمموا حي الصالحية، الذين لا يزالا ماثلين إلى اليوم، كأحد منجزات العثمانيين المعمارية المبكرة في سوريا، ولم يكن استقرار الولاة من شيم العهد العثماني.
وهكذا تعاقب على دمشق في 148 سنة الأولى من حكم العثمانيين فيها ما لا يقلّ عن 138 واليًا ولم يدم منهم في وظيفته مدة سنتين إلا ثلاثة وثلاثون واليا؛ وبين عامي 1815 و1895 توالى 61 والي بمعدل والي في كل سنة ونصف.
وكان الولاة دائمي النزاع مع الولايات المجاورة، فعلى سبيل المثال نشبت الحرب بين والي دمشق ووالي طرابلس الشام بين عامي 1664 و1667.
أصبحت دمشق ميناءً بريًا للقوافل التجارية بين مختلف مناطق الدولة، وحسب شهادة الرحالة الفرنسي لوران دارفيو في القرن السابع عشر، فإن سكّان دمشق يحبون العيش برفاهة واقتناء الآثاث الفاخر، وأن منازل المدينة توحي بالعظمة لروعتها.
أما فيما يخصّ التجارة فقد كتب درافيو أن دمشق واحدة من الأسواق الرئيسية في الدولة العثمانية فهي محط القوافل التجارية القادمة من مكة والهند وبلاد فارس محمّلة بمختلف السلع. ومكان لصناعة الأقمشة التي اشتهرت بها المدينة.
وإلى جانب القوافل التجاريّة، فإن المدينة والتي كانت نقطة تجمّع لقوافل الحجاج المسلمين، قد اعتمدت على قوافل الحج في تأمين الوفرة النقدية وتنشيط عمليات البيع والشراء. لسوء الحظ، فإن قوافل الحج في أواسط القرن الثامن عشر.
قد تعرضت لهجمات من قبل البدو أو من قبل مقاتلي الحركة الوهابية وفشل الولاة المتعاقبون في الغالب في تأمين الحجيج ولعلّ أكبر الحوادث ما وقع عام 1757 حين نهبت القافلة التي كانت تحوي ستين ألف حاج بكامل ما تحمل. ونتيجة انعدام الأمن خلال تلك المرحلة انخفض عدد الحجاج إلى نحو ألفي حاج فقط ما أثر على اقتصاد دمشق بشكل بالغ السوء.
في عام 1724 أسندت ولاية دمشق إلى إسماعيل باشا العظم وهو “خير وال عرفته المدينة في العصر العثماني”، وله يعود تشيييد قصر العظم الذي اعتبره فيليب حتي “أروع أثر عربي في القرن الثامن عشر”، وفي عام 1771 دخلت المدينة في حوزة والي عكا ضاهر العمر إلا أنه اضطر للتنازل عنها سلمًا في العام التالي.
وفي عام 1782 غدا أحمد باشا الجزار واليًا وكان حكمه قاسيًا إذ أضنك الشعب بالضرائب وضاعف من الأتاوة على التجار، وأصيبت دمشق وغوطتها بالقحط والجفاف عام 1793، وحين أعيد تعيينه واليًا عام 1803 أغلق أهل دمشق باب المدينة في وجه مندوبه سليمان باشا.
ولذلك فرض عليهم غرامات طائلة وصادر أملاكهم ومكث واليًا إلى أن توفي عام 1804 قبل أن يعود الولاة العثمانيين المتعاقبين على تسيير شؤونها.
وفي فبراير 1831 ثارت دمشق بعد إعلان الوالي ضريبة جديدة اعتبرها السكان باهظة، وشكّل أهالي حي الميدان ذي الغالبية الفقيرة نواة المنتفضين، الذين قاموا بمحاصرة الوالي وكبار حاشيته في القلعة، ثم اقتحموها قاتلين الوالي وكبار حاشيته، وساحلين جثته جارين إياها من حي إلى حي في شوارع دمشق.
وفي العام نفسه، دخل إبراهيم باشا دمشق سلمًا باسم والده والي مصر محمد علي باشا، وكان حكم إبراهيم باشا في الشام إصلاحيًا من مختلف الجوانب.
رغم الفترة القصيرة التي مكث بها في السلطة، إذ اضطر للانسحاب بضغط القوى الكبرى العسكري في 17 سبتمبر 1840. في عام 1845 نهب البدو قافلة تجار دمشق المتوجهة إلى بغداد.
وكانت مكونة من ثلاثة آلاف جمل فأفلس تجار المدينة وأصبحت طريق التجارة مع بغداد تمرّ بحلب والموصل أي أطول مما كانت عليه بثلاث مرات، وفي عام 1851 طبّق نظام التجنيد الإجباري للمرة الأولى بعد سقوط حكم محمد علي.
مع ما تركه من آثار سلبية تمثلت بالهجرة الداخليّة والخارجيّة على حد سواء وتراجع الاقتصاد وقسمة العائلات للحصول على إعفاء الرجل الوحيد؛ وشهدت دمشق مجازر 1860 التي أفضت لقتل آلاف المسيحيين؛ على أنّ الهزيع الأخير من القرن التاسع عشر كان عهد نهضة.
لاسيّما في عهود الولاة المصلحين أمثال مدحت باشا، وغدت دمشق خلال تلك الفترة، إحدى ميادين النهضة العربية وتأسست بها صحف ومجلات، وانتشرت المدارس وأسست نواة الجامعة السورية، والجمعيات السياسية، والمسرح برعاية أبو خليل القباني، وتزايدت الآثار العمرانية وشقت ساحات المدينة البازرة أمثال ساحة المرجة فضلاً عن انطلاق سكة حديد الحجاز والاتصال بالتلغراف معها.