skip to Main Content

دمشق: أقدم العواصم وأعرق المدن

تُعتبر دمشق واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، إذ لم تُهجر منذ استيطانها الأول. عُرفت بأنها مهد الحضارات العريقة، وكانت شاهدة على العديد من الأحداث التاريخية التي شكلت وجهها الحضاري والثقافي. لُقّبت بـ “مدينة الياسمين” لكثرة أزهار الياسمين التي تزين شوارعها وأزقتها.

تشير الأدلة الأثرية إلى أن دمشق استوطنت منذ عشرات الآلاف من السنين، ولكن العمران فيها بدأ بالتطور بشكل ملحوظ خلال الألفية الثانية قبل الميلاد. خلال الحقبة الآرامية، برزت دمشق كمركز زراعي وتجاري بفضل تطوير نظم الريّ، مما ساهم في ازدهار الحياة فيها.

بعد وفاة الإسكندر الأكبر، تنازعت الإمبراطوريات على حكم دمشق، حتى استولى عليها الرومان. أدركوا أهميتها الاستراتيجية، فضمّوها إلى تحالف “الديكابولس” الذي جمع عشر مدن رئيسية في بلاد الشام. تميزت دمشق خلال هذه الفترة بتطور عمرانها، وأصبحت جزءًا مهماً من الدفاع عن الإمبراطورية الرومانية.

بدأت الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام بعد وفاة الرسول ﷺ، وخلال خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتح خالد بن الوليد مدينة دمشق. بعد ذلك، انتصر المسلمون على البيزنطيين في معركة اليرموك، مما أرسى حكم المسلمين في المدينة.

أصبحت دمشق عاصمة الدولة الأموية، وكانت في أوج ازدهارها خلال حكم عبد الملك بن مروان وأحفاده. شهدت المدينة نهضة عمرانية كبرى، وأُقيم فيها الجامع الأموي، أحد أهم المعالم الإسلامية حتى يومنا هذا.

في العهد العباسي، حاصر العباسيون دمشق واقتحموها، مما أدى إلى مجازر بحق أهلها. أصبحت مركزًا للثورات ضد الحكم العباسي، وخضعت لاحقًا لحكم الطولونيين، الإخشيديين، الفاطميين، والسلاجقة، حتى أصبحت جزءًا من الدولة الأيوبية بقيادة صلاح الدين الأيوبي بعد تحريرها من الصليبيين.

كانت دمشق ثاني أهم مدينة بعد القاهرة خلال حكم المماليك، إلا أنها تعرضت للغزو المغولي بقيادة تيمورلنك، الذي أحرق المدينة ودمّر الجامع الأموي. لاحقًا، عانت دمشق من المجاعات والطاعون بسبب الإهمال الزراعي، مما دفع سكانها للاعتماد على أنفسهم في الدفاع عن أحيائهم.

خلال الحكم العثماني، شهدت دمشق فترات ازدهار وأخرى من المعاناة. قام العثمانيون بترميم الجامع الأموي وأسسوا التكية السليمانية. كما أصبحت مركزًا مهمًا للقوافل التجارية، خاصة خلال عهد إسماعيل باشا، الذي شيّد قصر العظم.

لكن المدينة لم تسلم من الفساد الإداري، إذ فرض بعض الولاة ضرائب مرهقة على السكان مثل أحمد باشا الجزار، مما أدى إلى انتشار الفقر والقحط. كما شهدت دمشق مجازر استهدفت المسيحيين، إلا أن العديد من المسلمين، ومنهم عبد القادر الجزائري، ساهموا في حمايتهم.

خلال القرن التاسع عشر، شهدت دمشق نهضة ثقافية مع مدحت باشا، حيث تأسست فيها جامعة دمشق وسكة حديد الحجاز، وظهرت الصحف والمجلات العربية. إلا أن الحكم العثماني أصبح أكثر قسوة في عهد جمال باشا السفاح، الذي أعدم العديد من وجهاء دمشق في ساحة المرجة.

مع انهيار الحكم العثماني، دخلت قوات الثورة العربية الكبرى دمشق، وأعلن الملك فيصل بن الحسين المملكة العربية السورية، مما فتح الباب أمام مرحلة جديدة من تاريخ المدينة.

دمشق ليست مجرد مدينة، بل إرث حضاري خالد يجمع بين عبق التاريخ وأصالة الحاضر، شاهدةً على عصورٍ من المجد والصمود.

Back To Top